على هامش الطريق تجاذبت أطراف الحديث مع صديقٍ لي من أهل الخبرة والمكانة التنظيمية في أحد الفصائل الوازنة على الساحة الفلسطينية، والذي لم يمتنع عن إظهار وجهة نظره - وإن كنت لا أتفق معها تماماً - حول قصة استشهاد نزار بنات، واستدعى كل واحد منا ما لديه من أحداث حصلت وقصص ومواقف تثبت صحة رأيه، حتى وصلنا إلى نقطة مشتركة بأن لا أحد يملك الحق في قتل نفس بشرية كما أن الحرية بمفهومها الفطري حق يمتلكه الجميع.
بيد أن هذا الحوار القصير نسبياً جعلني أيقن تماماً بأن حالة من "الارتباك المفاهيمي" تسود المجتمع الفلسطيني حول الكثير من مفاهيم الديمقراطية، وماذا نريد منها، وكيفية توظيفها في مشروعنا التحرري على المستوى الشعبي والرسمي وبل وينسحب ذلك على الحالة الفصائلية ايضاً.
في حقيقة الأمر أفضى الاختلاف في تعريف حادثة استشهاد "نزار بنات" على وجه الخصوص لدى السلطة وأضدادها إلى إبراز حالة الغموض المفاهيمي لبعض حقوق الإنسان الأساسية في وعي ثلة من الناس كحرية التعبير والعدالة والانتماء مثلاً، حيث أراد البعض أن لا تتعدى حرية التعبير والكلام حدود مفهوم الولاء والطاعة للحزب أوالمؤسسة الحاكمة، يأتي ذلك في ظل نفور الناس من الحديث والمتحدث بها لسوء عواقبها أولاً ولحالة التراجع في الإنجاز الوطني الملموس ثانياً.
لكن هذا أمر طبيعي نوعاً ما نتيجة للأحداث التي تراكمت وترسّخت والفجوات التي ازدات عمقاً على مدار سنوات الانقسام الماضية التي لم يدخر أحد أي جهد خلالها في استخدام بعض المصطلحات المثيرة للحس التنظيمي والقبلي وتحويلها وتحريفها عوِضاً عن وصف الوقائع على حقيقتها حتى ولو كانت على أنفسنا.
من الجدير بالذكر أن حادثة استشهاد نزار شكلت نقطة تحول في وعي بعض الشباب وتهميش حاجز الخوف من أبداء الرأي والانتقاد مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية ااحترام الآخر وعدم الانجرار إلى مربع القذف والتشهير، والانقلاب من ميدان الرأي إلى ساحة الردح.
إذاً يمكن لنا القول بأن هذه الظاهرة هي نتاج ما تشعبّت به العديد من العوامل أبرزها النكوص في الحالة الفصائلية الداخلية وتعزيز فكرة المصالح الشخصية، فعلى سبيل المثال لا الحصر تحويل المطالبة بإحقاق العدل ومعاقبة المسؤولين عن استشهاد نزار إلى العبث بالسلم المجتمعي وإحلال الفوضى، والعجب الأكبر حين ينادي بذلك بعض المثقفين والصحفيين.
يبدو التساؤل الأكثر منطقياً هل يعود السبب في ذلك إلى ما يسمى "الفشل في تحديث المعلومة اليومية الصحيحة" من الإعلام بشتى أشكالها، الأمر الذي يفرض ضرورة استحداث آليات ووسائل معرفية وإعلامية جديدة تتناسب مع هذه المتغيّرات المتسارعة بالتزامن مع توسيع مدارك العقل واستيعاب الآخر وعدم إطالة قائمة المسلمات.